الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدُ
فقد كتب الله الحيض على بنات آدم، كما قال النبي لأم المؤمنين عائشة «إنه أمر كتبه الله على بنات آدم» متفق عليه ، وفي الحيض أحكام كثيرة، ومسائل عديدة، والمرأة قد تَحَارُ فيما خرج منها هل هو دم حيض أو استحاضة؟ وقد جاء في السنة ما يزيل هذا الإشكال، وما يرفع هذه الحيرة، وهذا من كمال الشريعة وما أجمل ما عبر به الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حين قال هذا الباب من أصعب أبواب الفقه عند الفقهاء، وقد أطالوا فيه كثيرًا
وفيما يبدو لنا أنَّه لا يحتاج إِلى هذا التَّطويل والتفريعات والقواعد التي
أطال بها الفقهاء رحمهم الله والتي لم يكن كثيرٌ منها مأثورًا عن الصَّحابة رضي الله عنهم
فالمرأة إذا جاءها الحيض تركت الصَّلاة ونحوها، وإِذا طَهُرَتْ منه صلَّت، وإِذا تنكَّر عليها؛ لم تجعله حيضًا فقواعده في السُّنَّة يسيرة جدًّا، ولهذا كانت الأحاديث الواردة فيه غير كثيرة
ولكن بما أننا نقرأ كلام الفقهاء، فيجب علينا أن نعرف ما قاله الفقهاء رحمهم الله في هذا الباب، ثم نعرضه على كتاب الله وسُنَّة رسوله ، فما وافق الكتاب والسُّنَّة؛ أخذناه، وما خالفهما؛ تركناه، وقلنا غفر الله لقائله الشرح الممتع على زاد المستقنع
قَال ابْنُ نُجَيْمٍ وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِا لاَ يُحْصَى مِنَ الأَْحْكَامِ، كَالطَّهَارَةِ، وَالصَّلاَةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّوْمِ وَالاِعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلاَقِ وَالْعِدَّةِ وَالاِسْتِبْرَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لأَِنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْل بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْل بِمَسَائِل الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْل بِغَيْرِهَا؛ فَيَجِبُ الاِعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا البحر الرائق
يقول ابن رشد وأما أحكام الدماء الخارجة من الرحم؛ فالكلام المحيط بأصولها ينحصر في ثلاثة أبواب الأول معرفة أنواع الدماء الخارجة من الرحم والثاني معرفة العلامات التي تدل على انتقال الطهر إلى الحيض، والحيض إلى الطهر أو الاستحاضة، والاستحاضة أيضًا إلى الطهر والثالث معرفة أحكام الحيض والاستحاضة أعني موانعهما وموجباتهما بداية المجتهد ونهاية المقتصد
اتفق المسلمون على أن الدماء التي تخرج من الرحم ثلاثة دم حيض، وهو الخارج على جهة الصحة، ودم استحاضة، وهو الخارج على جهة المرض، ودم نفاس، وهو الخارج مع الولد
أولاً التَّعْرِيفُ كثر في كلام العلماء أن الحكم علي الشيء فرعٌ عن تصوره، وهذا الأمر أصدق ما يكون على باب الحيض؛ حيث كثر خلاف الفقهاء في أحكام الحيض لاختلافهم في صوره، ولذلك سنفصل بعض الشيء في تعريفه؛ لما سيترتب علي ذلك من معرفة جيدة لأحكامه
الْحَيْضُ لُغَةً مَصْدَرُ حَاضَ، يُقَال حَاضَ السَّيْل إِذَا فَاضَ، وَحَاضَتِ السَّمُرَةُ إِذَا سَال صَمْغُهَا، وَحَاضَتِ الْمَرْأَةُ سَال دَمُهَا، وَالْمَرَّةُ حَيْضَةٌ، وَالْجَمْعُ حِيَضٌ، وَالْقِيَاسُ حَيْضَاتٌ ويقال الْمَرْأَةُ حَائِضٌ، لأَِنَّهُ وَصْفٌ خَاصٌّ، وَجَاءَ حَائِضَةٌ أَيْضًا بِنَاءً لَهُ عَلَى حَاضَتْ الموسوعة الفقهية الكويتية
وَلِلْحَيْضِ فِي الاِصْطِلاَحِ تَعْرِيفَاتٌ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْغَالِبِ وَفِيمَا يَلِي الْمَشْهُورُ مِنْهَا فِي كُل مَذْهَبٍ فَقَدْ عَرَّفَهُ الكاساني من أئمة الحنفية فقال الْحَيْضُ اسْمٌ لِدَمٍ خَارِجٍ مِنْ الرَّحِمِ لا يَعْقُبُ الْوِلادَةَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍٍ
وَقَال ابْنُ عَرَفَةَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ الْحَيْضُ دَمٌ يُلْقِيهِ رَحِمُ مُعْتَادٍ حَمْلُهَا دُونَ وِلاَدَةٍ حاشية الدسوقي
وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ دَمُ جِبِلَّةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا عَلَى سَبِيل الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ مغني المحتاج
وَقَال الْحَنَابِلَةُ دَمُ طَبِيعَةٍ يَخْرُجُ مَعَ الصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلاَدَةٍ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ يَعْتَادُ أُنْثَى إِذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ كشاف القناع
والمتأمل في التعريفات السابقة يجدها لا تعطينا وصفًا دقيقًا لحقيقة الحيض؛ ولذلك كثر الخلاف بينهم في أحكامه، وأفضل من عبّر عن حقيقة الحيض من علماء المذاهب هو العلامة شهاب الدين القرافي في الذخيرة؛ حيث قال
وأما حقيقته أي الحيض فهو غسالة الجسد، وفضلات الأغذية التي لا تصلح للبقاء، ولذلك عظم نتنه، وقبح لونه، واشتد لذعه، وامتاز على دم الجسد، وكذلك على الذي منه دم الاستحاضة، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام «ذلك عرق، وليس بحيضة»، أي عرق انشق فخرج منه دم الجسد وليس بغسالة، فيجتمع ذلك من الوقت إلى الوقت، ثم يندفع في عروق الدم، فيخرج من فوهاتها إلى تجويف الرحم؛ فيجتمع هناك، ثم يندفع في عنق الرحم الذي هو محل الوطء، وجعل الله سبحانه وتعالى ذلك عَلَمًا على براءة الأرحام وحفظًا للأنساب الذخيرة
وهذا الكلام موافق لما عليه الأطباء؛ حيث قالوا الحيض هو استعداد متكرر للحمل، فالرحم يستعد كل شهر للحمل؛ فإن لم يحصل الحمل؛ تخلص الرحم من آثار استعداه للحمل، فينزل الدم وما معه من أغذية وغير ذلك
وَلِلْحَيْضِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا الطَّمْثُ، وَالْعِرَاكُ، وَالنِّفَاسُ
والاِسْتِحَاضَةُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْحَيْضِ، وَهِيَ لُغَةً أَنْ يَسْتَمِرَّ بِالْمَرْأَةِ خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ أَيَّامِ َحيْضِهَا الْمُعْتَادِ، يُقَال اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ أَيِ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ لسان العرب والمصباح المنير مادة حيض
وَشَرْعًا سَيَلاَنُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ مَرَضٍ، وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ يُسَمَّى الْعَاذِل
النِّفَاسُ لُغَةً وِلاَدَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ، فَهِيَ نُفَسَاءُ
وَالنِّفَاسُ شَرْعًا هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ الْوَلَدِ وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلاَدَةِ قَال النَّوَوِيُّ النِّفَاسُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّم ُالْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ الموسوعة الفقهية الكويتية
ثانيا ألوان الدم
دم الحيض في أيام العادة الشهرية باتفاق الفقهاء إما أسود، أو أحمر أو أصفر، أو أكدر متوسط بين السواد والبياض ، والدليل على أن هذه الألوان في أيام العادة حيض هو دخولها في عموم النص القرآني وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ البقرة ، وأخبار في السنة، منها قول عائشة وقول أم عطية رضي الله عنهما الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ د وهبة الزحيلي
أما السواد، فلحديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، أنها كانت تُستحاض، فقال لها النبي «إذا كان دم الحيضة؛ فإنه أسود يُعْرَف؛ فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عِرْق» أبو داود وصححه الألباني
وقوله يُعْرَف بضم الأول وفتح الراء أي تعرفه النساء، أو بكسر الراء أي له عرف ورائحة
وأما الحمرة فلأنها أصل لون الدم
وأما الصفرة وهي ماء تراه المرأة كالصديد يعلوه اصفرار والكُدْرَة وهي التوسط بين لون البياض والسواد كالماء الوسخ، فلحديث علقمة بن أبي علقمة عن أمه مرجانة مولاة عائشة رضي الله عنها قالت «وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ» رواه مالك ، وأورده البخاري معلقًا و الدُّرَجة جمع درج بضم فسكون وعاء تضع المرأة فيه طيبها ومتاعها، أو بالضم ثم السكون وتاء تأنيث وهو ما تدخله المرأة من قطن وغيره؛ لتعرف هل بقي من أثر الحيض شيء أم لا والكرسف القطن
وإنما تكون الصفرة والكُدْرَة حيضًا في أيام الحيض، وفي غيرها لا تعتبر حيضًا؛ لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت «كنا لا نَعُدّ الصُّفْرَة والكُدْرَة بعد الطهر شيئًا» أبو داود وصححه الألباني، وانظر فقه السنة سيد سابق
وصفات دم الحيض أربعة أقواها الثخين المنتن، ثم المنتن، ثم الثخين، ثم غير الثخين وغير المنتن الفقه الإسلامي وأدلته د وهبة الزحيلي
سبب الحيض
وسبب الحيض أن المرأة تفرز البويضة التي يلقحها الحيوان المنوي، فتخرج من المبيض إلى طريق البوق أو إلى فم الرحم، فتنتظر المني من الرجل ليلقحها، فإذا تلقحت علقت بجدار الرحم، وهي العلقة عند الأطباء، ثم بعدما تمضي عليها الأربعونات المعروفة، فتنفصل عن جدار الرحم بخيوط دموية رفيعة، وتكثر بعد ذلك وتصير حبل السرة الذي يغذّي الجنين داخل الرحم، وتأخذ دورتها السنوية في فترة الحمل، لكن إذا لم تلقّح البويضة، أو جاءها منيّ لا يصلح للتلقيح، ومضت مدة التلقيح؛ فإن الرحم يلفظها، وقد كان الرحم مهيئًا ينتظر الحمل المقبل، ولمَّا لم يأت الحمل؛ نكث ما بداخله، فيخرج هذا الدم ومعه مواد أخرى من الرحم؛ لتنظيفه واستقبال بويضة جديدة
إذًا الدورة الشهرية عند المرأة هي الحيض المعروف لغة وشرعًا، وهو نتيجة لدورة طبيعية في الرحم، فإن أتى الحمل توقف الحيض، وإن لم يأت الحمل؛ خرج دم الحيض، إلا إذا كانت هناك موانع أخرى كحالة الرضاع، وحالة المرض، وغير ذلك شرح بلوغ المرام لعطية سالم
وقريب من هذا المعنى انظر أقل وأكثر مدة الحمل دراسة فقهية طبية، د عبد الرشيد بن محمد أمين بن قاسم
واعلم أخي القارئ رحمني الله وإياك أن مدار هذا الباب على ثلاثة أحاديث، كما قال الإمام أحمد رحمه الله، نذكرها قبل البدء في بيان أحكام الحيض حتى تكون دليلاً لنا إلى معرفة هذه الأحكام، وهذه الأحاديث هي
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستَحاض، فقال لها رسول الله «إن دم الحيض دم أسود يُعْرَف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي» أبو داود وحسنه الألباني
الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدم، فقال لها «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة» مسلم
ورواه أحمد والنسائي بلفظ «فَلْتَنْظُرْ قَدْرَ قُرْئِهَا الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ لَهُ؛ فَلْتَتْرُكْ الصَّلاَةَ، ثُمَّ لِتَنْظُرْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَلْتَغْتَسِلْ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ وَلْتُصَلِّ» أحمد وقريب منه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ فِي امْرَأَةٍ تُهَرَاقُ الدَّمَ؛ فَقَالَ «تَنْتَظِرُ قَدْرَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُهُنَّ، وَقَدْرَهُنَّ مِنْ الشَّهْرِ، فَتَدَعُ الصَّلاَةَ ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَلْتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي» رواه الخمسة إلا الترمذي
الحديث الثالث عن حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت كُنْتُ أَسْتَحِاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ، فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً كَثِيرَةً شَدِيدَةً فَمَا تَرَى فِيهَا، قَدْ مَنَعَتْنِي الصَّلاةَ وَالصَّوْمَ؟ قَالَ أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدَّمَ، قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَاتَّخِذِي ثَوْبًا قَالَتْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، إِنَّمَا أَثُجُّ ثَجًّا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ أَيُّهُمَا فَعَلْتِ أَجْزَأَ عَنْكِ مِنَ الآخَرِ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَيْهِمَا فَأَنْتِ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ رَكْضَةٌ مِنْ رَكَضَاتِ الشَّيْطَانِ، فَتَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ، أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اغْتَسِلِي حَتَّى إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكَ قَدْ طَهُرْتِ، وَامتنعت فَصَلِّي ثَلاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، أَوْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَأَيَّامَهَا وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي كُلَّ شَهْرٍ كَمَا تحيض النِّسَاءَ، وَكَمَا يَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ، وَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ، فَتَغْتَسِلِينَ فَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَتُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ فتَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ، وَتَغْتَسِلِينَ مَعَ الْفَجْرِ فَافْعَلِي، وَصُومِي إِنْ قَدَرْتِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَهَذَا أَعْجَبُ الأَمْرَيْنِ إِلَيَّ» أبو داود وحسنه الألباني
مسألة كيف تعرف المرأة أنها طهرت من الحيض؟
المرأة تعرف طُهْرَها من الحيض بما ثبت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن نساء الأنصار «وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ»، أي بالقطن فيه الماء من محل الحيض، وقد اشتبه عليهن هل هذا يعتبر طهرًا أم لا؟ فتقول رضي الله عنها لهن لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء رواه مالك ، وأورده البخاري معلقًا
والقَصَّة البيضاء هي ماء أبيض ثخين، يفرزه الرحم في نهاية الحيض، فتعلم به المرأة أن الحيض قد انتهى، ويقول الأطباء إن هذا الماء الأبيض الذي يعقب الحيض هو بمثابة التليين لجدار الرحم؛ ليكون مبطنًا ملطفًا بهذا الماء؛ ليستقبل البويضة الجديدة بعد أن نبذ وأخرج البويضة القديمة التي لم تُلَقَّح، فيقولون هو بمثابة المهاد والفراش للضيف الجديد المنتظر فالحيض إذا انتهى أفرز الرحم هذه المادة البيضاء؛ ليبطّن بها جدار الرحم ويلطّفه، حتى إذا جاءت البويضة ووجدت هذا الماء علقت به
إذاً المرأة تعرف نهاية حيضتها إذا رأت القَصَّة البيضاء، فإذا رأت القصة البيضاء علمت أنها طهرت، وبقي عليها أن تتطهر أي تغتسل، فإذا رأت القصة البيضاء؛ فلا تنظر إلى ما يأتي بعد ذلك، كما قال الفقهاء رحمهم الله، فالكدرة أو الصفرة عندما تراها المرأة بعد أن رأت الماء الأبيض واغتسلت؛ فإنها لا تَعتبر هذا شيئًا، ولا تترك صلاتها ولا صيامها شرح بلوغ المرام عطية بن محمد سالم
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى