شهر رمضان



صوم رمضان


الحمد لله الذي أنزل القرآن، وجعله لعباده واضح البيان، وأرسل به محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يدعو به إلى الرضوان، وقائدا الأمة إلى برِّ الأمان، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم إلى يوم الجزاء والإحسان.
أما بعد، فإن الله تعالى خلق العباد لحكمة عبادته وإقامة شرعه كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ . سورة الذاريات:56.
ثم جعل العبادة أيضا أنواعا كالصلاة والزكاة والحج وصوم شهر رمضان الذي سيكون محل حديثنا وكلامنا هنا، كما أن لهذه العبادات المتنوعة حِكَمًا خاصة شرعها الله تعالى من أجلها، نذكر ما يتعلق بمشروعية صوم رمضان منها في حينه.
وإذا كان صوم رمضان هو محل الكلام من بين هذه العبادات العظيمة، فنحتاج إلى تعرف  معنى الصوم في اللغة العربية ثم معناه في الشرع المطهر، وأما رمضان فهو شهر من شهور السنة الهجرية وهو الشهر التاسع.
والصوم في اللغة العربية معناه الإمساك. وأما معناه في الشرع فهو التعبد لله جل وعلا بترك الأكل والشرب والجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
فعلمنا بذلك أن الإنسان يترك هذه الأشياء المذكورة وكذا سائر المفطِّرات, تعبُّداً لله تعالى، ولا يتركها عادةً أو من أجل حمية بدنية ( انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين: 5 / 259. ) .
وصوم شهر رمضان هو أحد أركان هذا الدين العظام.
وأما إن أردت أن تسأل عن متى كانت فرضيته على الأمة الإسلامية، فنقول كان فرض صوم رمضان على هذه الأمة في السنة الثانية بعد ما هاجر رسول الله صلى عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة. ( انظر نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب لعبد الله البسام: 2 / 93. ) .
ولعلك الآن أن تسأل أيضا عن دليل مشروعية وفرض صوم رمضان، فنقول الدليل على ذلك هو قوله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ( سورة البقرة: 183. ) فقال الله : ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ ﴾ ( سورة البقرة: 183. ) أي فُرض.
ثم أخبر أنه فرض الصوم على الذين من قبل هذه الأمة؛ لأن الصيام فيه مشقة وتعب، وترك للمألوف، ولا يخفى أنه في أيام الحر وطول النهار يكون شديدًا على النفوس، فذكر الله تعالى أنه فرضه على من قبلنا تسلية لنا؛ لأن الإنسان إذا علم أن هذا الشيء له ولغيره هان عليه، وذكره أيضا من أجل أن يبين أنه جل وعلا أكمل لنا الفضائل، كما أكمل لمن سبقنا ما شاء من الفضائل ( انظر شرح رياض الصالحين لابن عثيمين: 5 / 260. ).
فقد أخبر الله تعالى بهذه الآية الكريمة ما منَّ به على عباده بأن فرض عليهم الصيام كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة بأنه ينبغي لها أن تنافس غيرها في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصت بها ( انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن السعدي: ص86. ) .
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان ( رواه البخاري (8 / 4524)، ومسلم (16) )
كما أجمع المسلمون على وجوب صيام شهر رمضان. ذكره في المغني في كتاب الصيام ( انظر المغني لابن قدامة: 4 / 324 . )




حكمة مشروعية صوم شهر رمضان

إن الحديث عن الحكمة والغاية التي من أجلها شرع الله تبارك وفرض علينا صوم رمضان حديث مهم، فيقال: إن الصوم له حكم عظيمة، وأسرار كريمة، ومقاصد شريفة، منها ما ظهر، ومنها ما خفي واستتر، لكن أهم هذه الحكم تتمحور حول قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ ( سورة البقرة: 183. ) ، فهذه هي الحكمة في مشروعية الصيام، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه.
فتقوى الله تعالى هي وصيته لعباده الأولين والآخرين كما قال جل شأنه: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ﴾ ( سورة النساء: 131 )
ومما اشتمل عليه الصيام من التقوى ما يأتي:
1. أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها من الأمور التي تميل إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله تعالى راجيا بتركها ثوابه، فهذا من التقوى.
2. وأن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عز وجل عليه.
3. والصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصي.
4. والصائم في الغالب تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
5. وأن الغني إذا ذاق ألم الجوع أوجب له ذلك مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى ( انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لابن السعدي: ص86. ) .
6. والصوم طاعة لله تعالى، وامتثال لأمره، وعبادة جليلة من أجلِّ العبادات، فإن الله عز وجل نسبه إلى نفسه، ووعد عليه الجزاء المطلق من قبله؛ لأنه بين الرب وبين عبده، فهو من أعظم الأمانات.
7. وفي الصوم درس عملي على التدريب على تحمل الشدائد، ومعاناة الأمور الصعاب.
8. وفيه التحلي بالصبر، تلك الفضيلة التي ما وجدت إلاَّ ومعها الفضائل، وما فُقدت إلا حضرت الرذائل. وأنواع الصبر الثلاثة مجتمعة فيه: الصبر على طاعة الله تعالى، والصبر عن معاصيه، والصبر على أقداره جل وعلا المؤلمة.
9. كما أن في الصوم روحانيةً يجدها الصائم؛ لتخفُّفه من المادة، وتغلب الجانب الروحي عليها، فيجد الصائم قُربا من الله تعالى، ويحسُّ دُنُوًّا يجعله كأنه يرى الله تعالى في عبادته إياه من صدق الشعور، وحسن المراقبة.
10. ولا شك أن في الصوم إجازة للجهاز الهضمي فترة من الزمن؛ ليستجم فيها الجهاز من توالي الأطعمة عليه وتخمرها فيه، فيستعيد نشاطه وقوته.
إلى غير ذلك من الحكم والمصالح المتحققة للعباد في هذه العبادة العظيمة، والله تعالى أعلم ( انظر نيل المآرب في تهذيب شرح عمدة الطالب لعبد الله البسام: 2 / 93. ) .



مجمل أحكام الصيام



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ، فإن صيام شهر رمضان المبارك عبادة عظيمة خصها الله بخصائص منها ما ورد في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري ، قال الله تعالى : " كل حسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " .
فـُرض صيام رمضان في السنة الثانية للهجر وقد صام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تسع سنوات توفي بعدها .
وصيام رمضان وجوبه معلوم من الدين بالضرورة ، فمن جحد فرضيته فهو كافر إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ في بادية بعيدة عن العلماء ، أما من أفطر في رمضان لغير عذر شرعي وهو يعتقد وجوبه عليه فلا يكفر بل يكون عاصيا وعليه قضاء الأيام التي أفطر فيها.
والصيام لغة الإمساك وشرعا الإمساك عن المفطـّرات من أكل وشرب وغيرهما من الفجر حتى المغرب مع النية المبيتة بالقلب.
والأصل في وجوب صيام رمضان قبل الإجماع آية :{ كتب عليكم الصيام} وقوله صلّى الله عليه وسلم : " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " رواه البخاري ومسلم .
ويجب مراقبة هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان لأنه يجب صيامه بأحد أمرين :
1- إكمال شعبان ثلاثين يوما .
2- رؤية هلال رمضان ليلة الثلاثين من شعبان .
لقوله صلّى الله عليه وسلّم : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم .
فمن رأى هلال رمضان صام ومن لم يره وأخبره مسلم ثقة عدل حرّ غير كاذب وجب عليه الصيام ، فقد روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أخبرت النبيّ صلّى الله عليه وسلم إني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بالصوم ". صححه ابن حبان.
ويجوز لمن أخبره صبيّ أو فاسق أو إمرأة أو عبد برؤية الهلال الصوم إن وثق به ، وإلا أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما . فإذا أثبت القاضي الصوم وجب الصيام على أهل بلد الإثبات وسائر أهل البلاد القريبة من بلد الرؤية بإتحاد المطالع أي الشروق والغروب لا من خالف مَطلَعُهُمْ مطلعَها وذلك عند الشافعي . أما عند أبي حنيفة فيجب الصيام على أهل كل بلد علموا ثبوت الصيام في بلد ما مهما بعدت تلك البلاد عن البلد الذي ثبتت فيه الرؤية فيجب عنده على أهل المغرب الأقصى إذا علموا بثبوت الصيام في المشرق وكذلك العكس.
فرائض الصيام
وفرائضه إثنان : النية والإمساك عن المفطرات .
1- النية: ومحلها القلب فلا يشترط النطق بها باللسان ويجب تبييتها أي ايقاعها ليلا قبل الفجر لكل يوم من رمضان بالقلب ولو قضاء، فإذا غربت الشمس على الصائم فنوى قبل أن يتعاطى مفطرا صوم اليوم التالي عن رمضان ثم لم يـُعـِد هذه النية بعد الأكل كفته . ويجب أيضا تعيين الصوم في النية كتعيين أنه من رمضان أو أنه عن نذر أو أنه عن كفارة وإن لم يبين سببها . ثم أنه يجب أن ينوي لكل يوم فلا يكفي أن ينوي أول الشهر عن الشهر كله عند الشافعي.
قال العلماء :" كمال النية في رمضان :" نويت صوم غدٍ عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا وإحتسابا لله تعالى " . والإحتساب طلب الأجر . وقال بعضٌ يكفي أن ينوي في ليلة الأول منه عن جميع أيام رمضان فيقول بقلبه:" نويت صيام ثلاثين يوما عن شهر رمضان هذه السنة" .
وعلى الحائض والنفساء إذا انقطع الدم ليلة الصيام أن تنوي صيام اليوم التالي من رمضان وإن لم تغتسل ، ولا يضر الأكل والنوم والجماع بعد النية وقبل طلوع الفجر . ومن نام ليلا ولم ينو الصيام حتى استيقظ بعد الفجر وجب عليه الإمساك عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم ، أما صوم النفل فلا يشترط في نيته التبييت فلو استيقظ بعد الفجر ولم يأكل شيئا ولم يشرب ونوى صيام هذا اليوم قبل الزوال تطوعا لله تعالى صح صيامه.
2- الإمساك عن المفطرات: يجب الإمساك عن :
أ- الأكل والشرب وعن إدخال كل ما له حجم ولو صغير إلى الرأس أو البطن ونحوهما من منفذ مفتوح كالفم والأنف ( ولو كان ذلك أجزاء صغيرة كدخان السيجارة) والقبل والدبر من الفجر إلى المغرب .
ومن أكل أو شرب ناسيا ولو كثيرا لم يفطر ولو في صيام النفل ففي الحديث الصحيح:
" من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" رواه البخاري.
ب- والاستقاءة أي إخراج القيء بالإصبع ونحوه وإن لم يرجع منه شيء الى الجوف وأما من غلبه القيء ولم يبلع منه شيئا فلا يفطر ولكن يطهر فمه قبل أن يبلع ريقه ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" من ذرعه القيء (أي غلبه) وهو صائم فليس عليه قضاء ومن إستقاء فليقض" رواه الحاكم والأربعة .
ج- والجماع وإخراج المني بالإستمناء أو المباشرة فإنه مفطر أما خروجه بالنظر ولو كان محرما وبالفكر فهو غير مفطر.
ولما كان وقت الصيام من الفجر حتى المغرب وجب معرفة طرفي النهار على كل مكلف بالصيام ، فإن المؤذنين اليوم يغلب عليهم الجهل بمواقيت الصلاة فلا يعتمد على الاسطوانة التي يديرونها وقت الفجر والمغرب .
والفجر : هو البياض المعترض بالأفق الشرقي ويوجد في أوله حمرة خفيفة مختلطة ببياضه ، ثم بعد حوالي النصف ساعة تشتد هذه الحمرة فهذا البياض هو الفجر فالنية بجب إيقاعها قبل ظهور هذا البياض.
والغروب : هو مغيب قرص الشمس كله .
فمن أكل بعد الفجر معتقدا أن الفجر لم يطلع فسد صومه ولزمه القضاء وعليه الإمساك عن المفطرات باقي النهار، فإن كان اجتهد فأكل ثم تبين له أنه دخل الفجر لم يأثم كأن اعتمد على صياح الديك المجرّب وكذا لو أكل قبيل مغيب قرص الشمس معتقدا أنه غربت الشمس ثم تبين له خلاف ذلك فسد صومه ولزمه قضاء هذا اليوم. أما الذي يأكل بدون عذر قبيل الغروب فقد أثم، قال الله تعالى:{ ثم أتموا الصيام إلى الليل }[ سورة البقرة (187)] . وغروب الشمس علامة على دخول الليل . وكذلك يجب على المسلم الثبوت في الأسلام على الدوام في رمضان وغيره. فيجب عليه تجنب الوقوع في الكفر بأنواعه الثلاثة:
1- الكفر القولي : كالذي يسبّ الله أو القرآن أو الإسلام .
2- الكفر الاعتقادي : كاعتقاد أن الله جسم أو ضوء أو روح .
3- الكفر الفعلي: كرمي المصحف في القاذورات أو السجود لصنم .
لأن استمرار إيمان الصائم شرط لصحة صيامه فالكفر مبطل للصيام. فمن وقع في شيء منها وهو صائم فسد صومه وعليه العود فورا إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين ، والإمساك بقية النهار ثم قضاء هذا اليوم بعد رمضان ويوم العيد فورا .
شرائط وجوب الصيام
والصيام واجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر على الصيام ، فلا يصح من الكافر الأصلي ولا المرتد ولا يصح من حائض ولا نفساء ، ولو صامتا حال وجود الدم فعليهما إثم وعليهما القضاء .
ولا يجب على الصبي ، ولكن يجب على وليه أن يأمره به إن أكمل سبع سنين وأن يضربه على تركه إذا بلغ عشر سنين وتركه وهو يطيقه ولا يجب عليه القضاء إن أفطر.
وكذلك لا يجب على المجنون ولا قضاء عليه ، ولا على المريض الذي يضره الصوم ولا المسافر سفرا طويلا وعليهما القضاء .
ولو صام المريض والمسافر صحّ منهما ، وإذا ضرّهما حرم عليهما .
والمسافر الذي يريد الإفطار في اليوم الأول من سفره عليه أن يخرج من بلده قبل طلوع الفجر . ولا يجب على العجوز الفاني مخافة التلف والموت .
مفسدات الصيام
والذي يبطل الصيام أشياء هي:
الأكل ولو قدر سمسة أو أقل عمدا غير مكره عالما بالتحريم ، والشرب ولو قطرة ماء أو دواء .
ملاحظة : لا يضر غبار الطريق أو غربلة دقيق لعسر التحرز عنه ، ولا يضر تذوق الطعام بدون ابتلاع شيء منه أيضا .
ومن بالغ في المضمضة والاستنشاق فدخل الماء الى جوفه أفطر .وإذا أخرج ريقه من فمه ولو إلى ظاهر الشفة ثم ردّه وبلعه أفطر . أما ما دام متصلا باللسان فلا يفطر إن بلعه . وإذا جمع ريقه في فمه وابتلعه صرفا أي غير متغير لم يضر ، أما ابتلاع البلغم ففيه تفصيل :
- فإن كان البلغم بـُلِع من ظاهر الفم فإنه يفطّر .
- وإن كان مما تحت مخرج الحاء فلا يفطّر . والبلغم لا يفطّر عند الامام أبي حنيفة ولو بلعه بعد وصوله إلى اللسان .
أما إذا بلع ريقه المتغير بدخان السيجارة التي شربها قبل الفجر أو غيرها أفطر .
وإذا غلبه القيء ثم انقطع ثم بلع ريقه قبل أن يطهر فمه فسد صيامه لأن هذا الريق تنجس بالقيء الذي وصل إلى الفم .
أما الدخان الذي يصل إلى جوف الصائم من شارب السيجارة الذي يجالسه في السيارة مثلا فإنه غير مفطر ، وكذلك دخان البخور وشمّ العطور بخلاف الدخان لمن يشربها لأنه تنفضل عنه ذرات صغيرة تصل إلى جوفه .
والحقنة في القبل والدبر مفطرة ، وكذلك القطرة في الأنف والأذن إذا وصل الدواء إلى الجوف ، وعلى قول القطرة في الأذن لا تفطّر .
وأما القطرة في العين فهي غير مفطرة ، وكذلك الإبرة في الجلد والشريان .
ومن أغمي عليه في نهار الصيام وأفاق ولم يستغرق كل اليوم فلا يُفطر . أما إذا استغرق الإغماء كل اليوم من الفجر حتى الغروب لم يصح صيامه . أما إذا طرأ جنون ولو للحظة أفطر .
وكذا إذا طرأ على المرأة حيض أو نفاس ولو قبيل الغروب أفطرت .
أما الصائم النائم إذا احتلم فلا يفطر بخلاف خروج المني منه بالاستمناء أو مع المباشرة عمدا لا ناسيا .
ويفسد صيام من جامع في نهار رمضان عامدا ذاكرا للصوم مختارا ولو لم ينزل المني. أما من جامع ناسيا فلا يفسد صومه ولا قضاء عليه .
ومن استيقظ جنبا من جماع أو غيره فإنه يصوم نهاره ويغتسل للصلاة ، فعن عائشة رضي الله عنها :" كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" رواه البخاري.
ومن مفسدات الصيام :
الوقوع في الكفر عمدا أي بغير سبق لسان، ولو كان الشخص مازحا أو غاضبا باختياره ذاكرا للصوم أو غير ذاكر لأنه لا تصح العبادة من كافر.
وأما تقبيل الزوجة المحرك للشهوة فإنه حرام لكنه لا يفطّر إذا لم ينزل المني . أما حديث :" خمس يـُفطّرن الصائم: النظرة المحرمة والكذب والغيبة والنميمة والقبلة" فلا أصل له بل هو مكذوب على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولكن بعضها يُذهب ثواب الصيام كالنميمة .
مما يجب على المفطر عامدا في رمضان
الإفطار عمدا في رمضان:
1- منه ما يوجب القضاء فقط .
2- ومنه ما يوجب القضاء والفدية معا .
3- ومنه ما يوجب الفدية فقط بدل الصيام .
4- ومنه ما يوجب القضاء والكفارة معا .


1- فأما المفطر الذي يجب عليه القضاء فقط فهو:
أ- الذي أفطر بسبب المرض .
ب- ومن كان في سفر طويل أفطر فيه .
ج- والحائض والنفساء .
د- والذي ترك الصيام في رمضان بدون عذر أو كان صائما فأفطر بمفطر غير الجماع.
ج- والحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما .
فهؤلاء جميعا عليهم قضاء كل يوم بيوم فقط .
2- وأما المفطر الذي يجب عليه القضاء والفدية معا فهو:
الحامل والمرضع إن خافتا على ولديهما فأفطرتا فعليهما القضاء والفدية وهي مدّ من غالب قوت البلد لكل يوم . وفي مذهي الحنفيّ : إطعام مسكين مقدار ما يغذيه ويعشيه أو قيمتها .
ومن كان عليه قضاء من رمضان فأخّر صيامه حتى جاء رمضان آخر فعليه مع القضاء الفدية عن كل يوم مدّ .
3- وأما المفطر الذي يجب عليه الفدية فقط فهو :
أ- الشيخ العجوز الذي لا يتحمل الصوم أو تلحقه مشقة شديدة فإنه يفطر ويفدي عن كل يوم مدّ .
ب- المريض الذي لا يرجى شفاؤه فلا صوم عليه ولا قضاء وإنما يجب عليه الفدية فقط، وهي مقدار ما يغدّي ويعشّي عند أبي حنيفة ، وعند الشافعي مدّ قمح أو غيره على حسب قوت البلد الغالب .


4- وأما المفطر الذي يجب عليه القضاء والكفارة معا فهو الذي أفسد صوم يوم من رمضان بجماع عامدا بإختياره ذاكرا للصيام ولو لم ينزل المنيّ فإن عليه قضاء هذا النهار الذي أفسده كما يجب عليه الكفارة.
والكفارة على هذا الترتيب .
أ- عتق رقبة مؤمنة. فإن لم يستطع :
ب- فصيام شهرين متتابعين غير يوم القضاء فإن أفطر خلال الشهرين يوما ولو لمرض استأنف ( أي أعاد ). فإن عجز عن الصيام أيضا :
ج- فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدّ من غالب قوت البلد . وعند أبي حنيفة لكل مسكين مقدار ما يغدّي ويعشّي .
فإن عجز عنها كلها استقرت الكفارة في ذمته ولا شيء عليه بدلها .
ما يستحب في الصيام
ويستحب في الصيام أشياء هي:
أ- تعجيل الفطر إذا تحقق من غروب الشمس لقوله صلّى الله عليه وسلّم :"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه مسلم .
ويستحب أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء وذلك قبل أن يصلي المغرب لقوله صلّى الله عليه وسلّم :" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور ". رواه أبو داود .
ويقول: " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
ولا بد قبل الإفطار من التحقق من غروب الشمس ولا يكفي الاعتماد على أذان الإذاعة فقط فإنه قد يحصل تسرع في إعلان الأذان قبل وقته كما حصل في الماضي.
ب- تأخير السَّحور الى آخر الليل وقبل الفجر ولو بجرعة ماء . فعمن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" تسحّروا فإن في السَّحور بركة" . رواه مسلم .
ج- وكذلك يتأكد في حق الصائم صون لسانه عن الكذب والغيبة والكلام البذيء وغير ذلك من الأمور المحرمة .
فاعلم أخي المسلم أن الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى أهون من الصبر على عذابه.
فكف بطنك عن المحرمات وقت الإفطار وغضَّ بصرك عن النظر المحرم والكلام البذيء المنهي عنه كالكذب والغيبة وهي ذكرك أخاك المسلم بما يكره لغير سبب شرعي بما فيه في خلفه ، وكـُفّ عن الفحش والخصومة والجفاء والمِراء.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إنما الصوم جـُنـّة ( أي وقاية) فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم ". وكما يتأكد في رمضان:
كـُفّ السمع عن الاصغاء الى كل ما حرُم الاصغاء إليه .
وكـُفّ بقية الجوارح من اليد والرجل عن المعاصي والآثام والمكاره .
وكما يندب كثرة الجود ، وصلة الرحم ، وكثرة تلاوة القرءان ، والاعتكاف في المسجد ولا سيما في العشر الأواخر. فعن ابن عمر أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان" رواه مسلم .
وأن يفطّر الصّوام ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" من فطّر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وأن يقول إن شوتـِم : إني صائم إني صائم .
تنبيه:
من مات وعليه قضاء من رمضان صام عنه وليّه . فعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" من مات وعليه صيام صام عنه وليّه" رواه مسلم .
الإيام التي يحرم الصيام فيها
1- يوم عيد الفطر الذي تصلى فيه الصلاة.
2- يوم عيد الأضحى الذي تصلى فيه الصلاة .
فقد روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:" نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن صومين: يوم الفطر ويوم الأضحى" .
3- أيام التشريق الثلاثة وهي التي تلي عيد الأضحى . قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :" أيام التشريق أيام أكل وشرب" رواه مسلم .
4- يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا تحدث من لا يثبت الصيام بقوله من فسقة ونسوة وصبيان ونحوهم أنهم رأوْا هلال رمضان ، فقد نهى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن صومه بقوله:" لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين ، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" رواه البخاري .
5- النصف الأخير من شعبان فلا يصح صومه إلا أن يصله بما قبله أو صامه عن قضاء أو نذر .
ويندب صوم ستة من شوال ، وتندب متتابعة تلي العيد ، فإن فرقها حصلت السنة، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:" من صام رمضان ثم اتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" رواه مسلم .
ومن دخل في صوم فرضا أداءً كان أو قضاء أو نذرا حرُم قطعه ، أما إذا كان نفلا جاز قطعه .
زكاة الفطر
وهي زكاة عن البدن لا عن المال ، واجبة على كل مسلم فـَضُلَ عن نفقته ونفقة من يقوته يوم الفطر وليلته صاع من غالب قوت البلد.
والصاع النبويّ مقدار أربع حفنات بالكفين المعتدلتين .
وتعطى لفقير محتاج ومن يستحق الزكاة ، ويجب على الرجل فـِطْرَة زوجته وأولاده الذين هم دون البلوغ وكل قريب هو في نفقته أي ممن تجب عليه كالآباء والأمهات ، ولا تجب زكاة الفطر عن الكافر ، ولا يصح اخراج زكاة الفطر عن الولد البالغ إلا بإذنه فليتنبه لذلك فإن كثيرا من الناس يغفلون هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه . وفي أداء زكاة الفطر لا بد من النية مع الإفراز . والإفراز:
هو عزل القدر الذي سيدفعه زكاة كأن يقول بقلبه: هذه زكاة بدني ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:" إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم .
وتجب زكاة الفطر بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان على من أدرك جزءاً من رمضان وجزءاً من شوال ، فعلى هذا فإنها تجب على الولي عن المولود الجديد الذي وُلد آخر أيام رمضان ويجب أداؤها قبل غروب شمس يوم العيد ، ويحرم تأخيرها عنه بلا عذر ويجوز تعجيلها من أول أيام رمضان والأفضل أن تـُخرج يوم العيد قبل الصلاة أي قبل صلاة العيد .
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين .





سؤال وجواب في الصوم وأحكامه



سؤال وجواب في الصوم وأحكامه :
في كل عام يأتي شهر كريم، شهر رمضان، شهر الغفران، شهر الرحمة، يجيء هذا الشهر ليوقظنا من غفلتنا، ويجعل كلَّ واحد منا يسترجع أعماله خلال سنة مرَّت عليه، فيتأملها بعين الناقد المصلح فيعتدل ويقوِّم نفسه، ويُصْلِح من شأنه، ليُقْبِل على الله سبحانه وتعالى، فيغتنم هذه الفرصة بالتوبة، والإكثار من الأعمال الصالحة، فاليوم عمل بلا حساب، وغداً حساب بلا عمل.
وبهذه المناسبة المباركة فإنه من المناسب يكون المسلم على علم بأحكام دينه, فيعبد الله وفقا لما شرعه. إذ كل عمل يعمله المرء لا يقبله الله تعالى إلا إذا كان خالصاً لله صواباً على وفق ما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلّم.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهلا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد:
فإن الله قد امتن على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتُمحى السيئات، وتُرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله على العباد، ورغبهم فيه، وأرشدهم إلى شكره على فرضه.
ولما كان قدر هذه العبادة عظيماً كان لابدّ من تعلّم الأحكام المتعلقة بشهرالصيام، وهذه الرسالة تتضمن خلاصات في أحكام الصيام وآدابه وسننه.
تعريف الصيام
1 -  الصوم لغة: الإمساك، وشرعاً: الإمساك عن المفطّرات من طلوع الفجر الثاني إلىغروب الشمس بالنية.
حكم الصيام
2 -  أجمعت الأمة على أن صوم شهر رمضان فرض، ومن أفطر شيئاً من رمضان بغير عذرفقد أتى كبيرة عظيمة.
فضل الصيام
3 -  من فضائل الصيام: أن الصيام قد اختصه الله لنفسه وأنه يجزي به فيضاعف أجرصاحبه بلا حساب، وأن دعوة الصائم لا تُرد، وأن للصائم فرحتين، وأن الصيام يشفعللعبد يوم القيامة، وأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأن الصومجُنّة وحصن حصين من النار، وأنّ من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوموجهه عن النار سبعين خريفاً، وأنّ في الجنة باباً يُقال له الريان يدخل منهالصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم.
وأما صوم رمضان فإنه ركن الإسلام، وقد أُنزل فيه القرآن، وفيه ليلة خير من ألفشهر، وإذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين، وصيامهيعدل صيام عشرة أشهر.
من فوائد الصيام
4 -  في الصيام حكم وفوائد كثيرة مدارها على التقوى، فالصيام يؤدي إلى قهرالشيطان وكسر الشهوة، وحفظ الجوارح، ويربي الإرادة على اجتناب الهوى والبعد عنالمعاصي، وفيه كذلك اعتياد النظام ودقة المواعيد وفيه إعلان لمبدأ وحدة المسلمين.
آداب الصيام وسننه
5 -  ومنها ما هو واجب، ومنها ما هو مستحب، فمن ذلك:
الحرص على السحور وتأخيره.
تعجيل الفطر لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر)). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُفطر قبلأن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء،ويقول بعد إفطاره: ((ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبتالأجر إن شاء الله)).
البعد عن الرفث، والرفث هو الوقوع في المعاصي.
ومما أذهب الحسنات وجلب السيئات الانشغال بالفوازير والمسلسلات، والأفلاموالمباريات، والجلسات الفارغات، والتسكع في الطرقات.
عدم الإكثار من الطعام، لحديث: ((ما ملأ ابن آدموعاء شراً من بطنٍ..)).
الجود بالعلم والمال والجاه والبدن والخُلُق، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود مايكون في رمضان.
ومما ينبغي فعله في الشهر العظيم
تهيئة الأجواء والنفوس للعبادة، والإسراع إلى التوبة والإنابة، والفرح بدخولالشهر، وإتقان الصيام، والخشوع في التراويح، وعدم الفتور في العشر الأواسط، وتحريليلة القدر، والصدقة، والاعتكاف.
لا بأس بالتهنئة بدخول الشهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويحثّهم على الاعتناء به.
من أحكام الصيام
6 -  من الصيام ما يجب التتابع فيه كصوم رمضان، والصوم في كفارة القتل الخطأ،وصوم كفارة الظهار، وصوم كفارة الجماع في نهار رمضان وغيرها. ومن الصيام ما لا يلزمفيه التتابع كقضاء رمضان وصيام عشرة أيام لمن لم يجد الهدي وغير ذلك.
7 -  صيام التطوع يجبر نقص صيام الفريضة.
8 -  جاء النهي عن إفراد الجمعة بالصوم، وعن صيام السبت في غير الفريضة، وعن صومالدهر، وعن الوصال في الصوم، ويحرم صيام يومي العيد وأيام التشريق.
ثبوت دخول الشهر
9 -  يثبت دخول شهر رمضان برؤية هلاله، أو بإتمام شعبان ثلاثين يوماً. وأما العملبالحسابات في دخول الشهر فبدعة.
على من يجب الصوم
10 -  ويجب الصيام على كل مسلم بالغ عاقل مقيم قادر سالم من الموانع كالحيضوالنفاس.
11 -  يؤمر الصبي بالصيام لسبع إن أطاقه، وذكر بعض أهل العلم أنه يُضرب على تركهلعشر كالصلاة.
12 -  إذا أسلم الكافر أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون أثناء النهار، لزمهمالإمساك بقية اليوم، ولا يلزمهم قضاء ما فات من الشهر.
13 -  المجنون مرفوع عنه القلم، فإن كان يجنّ أحياناً ويُفيق أحياناً لزمه الصيامفي حال إفاقته دون حال جنونه، ومثله في الحكم المصروع.
14 -  من مات أثناء الشهر فليس عليه ولا على أوليائه شيء فيما تبقى من الشهر.
15 -  من جهل فرض الصوم في رمضان، أو جهل تحريم الطعام أو الوطء، فجمهور العلماءعلى عذره إن كان يُعذر مثله. أما من كان بين المسلمين ويمكنه السؤال والتعلم فليسبمعذور.
صيام المسافر
16 -  يُشترط للفطر في السفر: أن يكون سفراً مسافة أو عرفاً، وأن يُجاوز البلدوما اتصل به من بناء، وألا يكون سفره سفر معصية ( عند الجمهور )، وألا يكون قصدبسفره التحيّل على الفطر.
17 -  يجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواءً كان قادراً على الصيام أم عاجزاً،وسواءً شقّ عليه الصوم أم لم يشقّ.
18 -  من عزم على السفر في رمضان فإنه لا ينوي الفطر حتى يسافر، ولا يُفطرالمسافر إلا بعد خروجه ومفارقة بيوت قريته العامرة.
19 -  إذا غربت الشمس فأفطر على الأرض، ثم أقلعت به الطائرة فرأى الشمس، لم يلزمهالإمساك لأنه أتمّ صيام يومه كاملاً.
20 -  من وصل إلى بلد ونوى الإقامة فيها أكثر من أربعة أيام وجب عليه الصيام عندجمهور أهل العلم.
21 -  من ابتدأ الصيام وهو مقيم ثم سافر أثناء النهار جاز له الفطر.
22 -  ويجوز أن يُفطر مَن عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كصاحب البريدوأصحاب سيارات الأجرة والطيارين والموظفين ولو كان سفرهم يومياً، وعليهم القضاء،وكذلك الملاّح الذي له مكان في البرّ يسكنه.
23 -  إذا قدم المسافر في أثناء النهار فالأحوط له أن يمسك مراعاة لحرمة الشهر،لكن عليه القضاء أمسك أو لم يمسك.
24 -  إذا ابتدأ الصيام في بلد، ثم سافر إلى بلد صاموا قبلهم أو بعدهم فإن حكمهحكم من سافر إليهم.
صيام المريض
25 -  كل مرض خرج به الإنسان عن حدّ الصحة يجوز أن يُفطر به. أما الشيء الخفيفكالسعال والصداع فلا يجوز الفطر بسببه. وإذا ثبت بالطب أو علم الشخص من عادتهوتجربته أو غلب على ظنّه أن الصيام يجلب له المرض، أو يزيده أو يؤخر البرء، يجوز لهأن يُفطر، بل يُكره له الصيام.
26 -  إن كان الصوم يسبب له الإغماء أفطر وقضى، وإذا أُغمي عليه أثناء النهار، ثمأفاق قبل الغروب أو بعده، فصيامه صحيح ما دام أصبح صائماً، وإذا طرأ عليه الإغماءمن الفجر إلى المغرب، فالجمهور على عدم صحة صومه. أما قضاء المغمى عليه فهو واجبعند جمهور العلماء مهما طالت مدة الإغماء.
27 -  ومن أرهقه جوع مفرط أو عطش شديد فخاف على نفسه الهلاك، أو ذهاب بعض الحواسّبغلبة الظن لا الوهم، أفطر وقضى، وأصحاب المهن الشاقة لا يجوز لهم الفطر،فإن كانيضرهم ترك الصنعة، وخشوا على أنفسهم التلف أثناء النهار أفطروا وقضوا. وليستامتحانات الطلاب عذراً يبيح الفطر في رمضان.
28 -  المريض الذي يُرجى بُرؤه ينتظر الشفاء ثم يقضي ولا يُجزئه الإطعام. والمريضمرضاً مزمناً لا يُرجى برؤه، وكذا الكبير العاجز، يُطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاعمن قوت البلد.
29 -  من مرض ثمّ شفي، وتمكن من القضاء فلم يقض حتى مات أُخرج من ماله طعام مسكينعن كل يوم. وإن رغب أحد أقاربه أن يصوم عنه فيصحّ ذلك.
صيامالكبير والعاجز والهرم
30 -  العجوز والشيخ الفاني الذي فنيت قوته لا يلزمهما الصوم، ولهما أن يفطرامادام الصيام يُجهدهما ويشق عليهما. وأما من سقط تمييزه، وبلغ حدّ الخَرَف فلا يجبعليه ولا على أهله شيء لسقوط التكليف.
31 -  من قاتل عدواً، أو أحاط العدو ببلده والصوم يُضعفه عن القتال، ساغ له الفطرولو بدون سفر، وكذلك لو احتاج للفطر قبل القتال أفطر.
32 -  من كان سبب فطره ظاهراً كالمريض فلا بأس أن يفطر ظاهراً، ومن كان سبب فطرهخفياً كالحائض فالأولى أن يُفطر خفية خشية التهمة.
النية في الصيام
33 -  تُشترط النية في صوم الفرض، وكذا كل صوم واجب، كالقضاء والكفارة، ويجوز أنتكون في أي جزء من الليل ولو قبل الفجر بلحظة. والنية عزم القلب على الفعل، والتلفظبها بدعة، وصائم رمضان لا يحتاج إلى تجديد النية في كلّ ليلة من ليالي رمضان، بلتكفيه نية الصيام عند دخول الشهر.
34 -  النفل المطلق لا تُشترط له النية من الليل، وأما النفل المعيّن فالأحوط أنينوي له من الليل.
35 -  من شرع في صوم واجب كالقضاء والنذر والكفارة فلا بدّ أن يتمّه، ولا يجوز أنيُفطر فيه بغير عذر. وأما صوم النافلة فإن الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صاموإن شاء أفطر ولو بغير عذر.
36 -  من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا بعد طلوع الفجر فعليه أن يمسك بقية يومه،وعليه القضاء عند جمهور العلماء.
37 -  السجين والمحبوس إن علم بدخول الشهر بمشاهدة أو إخبار من ثقة، وجب عليهالصيام، وإلا فإنه يجتهد لنفسه، ويعمل بما غلب على ظنّه.
الإفطار والإمساك
38 -  إذا غاب جميع قرص الشمس أفطر الصائم، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية فيالأفق.
39 -  إذا طلع الفجر وجب على الصائم الإمساك حالاً سواء سمع الأذان أم لا. وأماالاحتياط بالإمساك قبل الفجر بوقت كعشر دقائق ونحوها فهو بدعة من البدع.
40 -  البلد الذي فيه ليل ونهار في الأربع والعشرين ساعة على المسلمين فيه الصيامولو طال النهار.
المفطرات
41 -  المفطّرات ماعدا الحيض والنفاس لا يفطر بها الصائم إلا بشروط ثلاثة: أنيكون عالماً غير جاهل، ذاكراً غير ناس، مختاراً غير مضطر ولا مُكْرَه. ومن المفطّراتالجماع والاستقاءة، والحيض، والاحتجام، والأكل والشرب.
42 -  من المفطرات ما يكون في معنى الأكل والشرب، كالأدوية والحبوب عن طريق الفم،والإبر المغذية، وكذلك حقن الدم ونقله، وأما الإبر التي لا يُستعاض بها عن الأكلوالشرب ولكنها للمعالجة فلا تضرّ الصيام، وغسيل الكلى لا يفطر. والراجح أن الحقنةالشرجية، وقطرة العين والأذن، وقلع السن ومداواة الجرح، كل ذلك لا يفطر. وبخاخالربو لا يفطر. وسحب الدم للتحليل لا يُفسد الصوم، ودواء الغرغرة لا يبطل الصوم إنلم يبتلعه، ومن حشا سنّه بحشوة طبية فوجد طعمها في حلقه فلا يضر ذلك صيامه.
43 -  من أكل أو شرب عامداً في نهار رمضان دون عذر فقد أتى كبيرة عظيمة منالكبائر، وعليه التوبة والقضاء.
44 -  وإذا نسي فأكل و شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وإذا رأى من يأكلناسياً فعليه أن يذكّره.
45 -  من احتاج إلى الإفطار لإنقاذ معصوم من مهلكة فإنه يُفطر ويقضي.
46 -  من وجب عليه الصيام فجامع في نهار رمضان عامداً مختاراً فقد أفسد صومه،وعليه التوبة وإتمام ذلك اليوم والقضاء والكفارة المغلظة، هذا والحكم واحد في الزناواللواط وإتيان البهيمة.
47 -  لو أراد جماع زوجته فأفطر بالأكل أوّلاً فمعصيته أشدّ، وقد هتك حرمة الشهرمرتين، بأكله وجماعه، والكفارة المغلظة عليه أوكد.
48 -  والتقبيل والمباشرة والمعانقة واللمس وتكرار النظر من الصائم لزوجته أوأمته إن كان يملك نفسه جائز، ولكن إن كان الشخص سريع الشهوة لا يملك نفسه، فلا يجوزله ذلك.
49 -  وإذا جامع فطلع الفجر وجب عليه أن ينزع، وصومه صحيح ولو أمنى بعد النـزع،ولو استدام الجماع إلى ما بعد طلوع الفجر أفطر وعليه التوبة، والقضاء، والكفارةالمغلّظة.
50 - إذا أصبح وهو جُنُب فلا يضرّ صومه، ويجوز تأخير غسل الجنابة والحيض والنفاسإلى ما بعد طلوع الفجر، وعليه المبادرة لأجل الصلاة.
51 -  إذا نام الصائم فاحتلم فإنه لا يفسد صومه إجماعاً بل يتمّه.
52 -  من استمنى في نهار رمضان بشيء يُمكن التحرز منه كاللمس وتكرار النظر وجبعليه أن يتوب إلى الله، وأن يُمسك بقية يومه وأن يقضيه بعد ذلك.
53 -  ومن ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض، ومن تقيأ عمداًفعليه القضاء، ولو غلبه القيء فعاد بنفسه لا يُفطر. وأما العلك فإن كان يتحلل منهأجزاء، أو له طعم مضاف أو حلاوة حرم مضغه، وإن وصل إلى الحلق شيء من ذلك فإنهيفطّر. أما النخامة والنخاعة فإن ابتلعها قبل وصولها إلى فيه فلا يفسد صومه، فإذاابتلعها عند وصولها إلى فيه فإنه يُفطر عند ذلك. ويُكره ذوق الطعام بلا حاجة.
54 -  والسواك سنّة للصائم في جميع النهار.
55 -  وما يعرض للصائم من جرح، أو رعاف، أو ذهاب للماء أو البنزين إلى حلقه بغيراختياره لا يُفسد الصوم. وكذلك لايضره نزول الدمع إلى حلقه أو أن يدهن رأسه أوشاربه، أو يختضب بالحناء فيجد طعمه في حلقه، ولا يفطّر وضع الحنّاء والكحل والدّهن،وكذلك المراهم المرطّبة والمليّنة للبشرة، ولا بأس بشمّ الطيب ورائحة البخور، ولكنيحذر من وصول الدخان إلى الحلق.
56 -  والأحوط للصائم أن لا يحتجم، والخلاف شديد في المسألة.
57 -  التدخين من المفطّرات، وليس عذراً في ترك الصيام.
58 -  والانغماس في ماء، أو التلفف بثوب مبتلّ للتبرد، لا بأس به للصائم.
59 -  لو أكل أو شرب أو جامع ظانا بقاء الليل، ثم تبين له أن الفجر قد طلع، فلاشيء عليه.
60 -  إذا أفطر يظن الشمس قد غربت وهي لم تغرب، فعليه القضاء عند جمهور العلماء.
61 -  وإذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فقد اتفق الفقهاء على أنه يلفظه ويصحصومه.
من أحكام الصيام للمرأة
62 -  التي بلغت فخجلت، وكانت تُفطر عليها التوبة وقضاء ما فات مع إطعام مسكين عنكل يوم كفارة للتأخير إذا أتى عليها رمضان الذي يليه ولم تقض. ومثلها في الحكم التيكانت تصوم أيام عادتها خجلاً ولم تقض.
63 -  ولا تصوم الزوجة ( غير رمضان ) وزوجها حاضر إلا بإذنه، فإذا سافر فلا حرج.
64 -  الحائض إذا رأت القصّة البيضاء - وهو سائل أبيض يدفعه الرّحم بعد انتهاءالحيض - التي تعرف بها المرأة أنها قد طهرت، تنوي الصيام من الليل وتصوم، وإن لميكن لها طهر تعرفه احتشت بقطن ونحوه فإن خرج نظيفاً صامت. والحائض أو النفساء إذاانقطع دمها ليلاً فَنَوَت الصيام ثم طلع الفجر قبل اغتسالها فمذهب العلماء كافة صحةصومها.
65 -  المرأة التي تعرف أن عادتها تأتيها غداً تستمر على نيتها وصيامها ولا تُفطرحتى ترى الدم.
66 -  الأفضل للحائض أن تبقى على طبيعتها وترضى بما كتب الله عليها ولا تتعاطى ماتمنع به الدم.
67 -  إذا أسقطت الحامل جنيناً بدأ بالتخلّق فإنها نفساء لا تصوم، وإلا فهيمستحاضة عليها الصيام إن استطاعت. والنفساء إذا طهرت قبل الأربعين صامت واغتسلتللصلاة، وإن تجاوزت الأربعين نوت الصيام واغتسلت وتعتبر ما استمر استحاضة.
68 -  دم الاستحاضة لا يؤثر في صحة الصيام.
69 -  الراجح قياس الحامل والمرضع على المريض، فيجوز لهما الإفطار وليس عليهماإلا القضاء، سواء خافتا على نفسيهما أو ولديهما.
70 -  المرأة التي وجب عليها الصوم إذا جامعها زوجها في نهار رمضان برضاها،فحكمها حكمه، وأما إن كانت مكرهة فعليها الاجتهاد في دفعه ولا كفارة عليها.
وفي الختام هذا ما تيسّر ذكره من مسائل الصيام، أسأل الله تعالى أن يُعيننا علىذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يختم لنا شهر رمضان بالغفران، والعتق من النيران.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.