احكام الغسل

أولاً التعريف
الغسل في اصطلاح الفقهاء هو استعمال ماء طهور في جميع البدن على وجه مخصوص بشروط وأركان كشاف القناع للبهوتي

ثانيًا موجبات الغسل
ويعني بها الفقهاء تلك الأمور التي تكون سببًا في إيجاب الغسل على المكلف، وسوف نبدأ بذكر الموجبات التي اتفق عليها الفقهاء، ثم نذكر بعد ذلك الموجبات التي اختلفوا فيها:

خروج المَنِيّ

اتفق الفقهاء على أن خروج المني من موجبات الغسل، بل نقل الإمام النووي الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة في النوم واليقظة المجموع شرح المهذب
ويُعرف مني الرجل بأنه أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفعة بعد دفعة، ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه، ثم إذا خرج يعقبه فتور، رائحته كرائحة طلع النخل قريبة من رائحة العجين، وإذا يبس كانت رائحته كرائحة البيض، ويُعرف مني المرأة بأنه أصفر رقيق، قال إمام الحرمين والغزالي «ولا خاصية له إلا التلذذ، وفتور شهوتها عقيب خروجه» المجموع بتصرف
والأصل في وجوب الغسل من خروج المني حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال «إنما الماء من الماء» مسلم وقوله «إنما الماء من الماء» أي يجب الغسل بالماء من إنزال الماء الدافق وهو المني الموسوعة الفقهية الكويتية
ويجب كذلك الغسل من الاحتلام لحديث أم سليم رضي الله عنها، أنها سألت النبي عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال رسول الله «إذا رأت ذلك المرأة؛ فلتغتسل»، فقالت أم سليم واستحييت من ذلك، فقالت وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله «نعم، فمن أين يكون الشَّبَه؟» الحديث مسلم
وفي رواية أخرى أنها قالت يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله نعم، إذا رأت الماء متفق عليه
وهناك بعض مسائل تتعلق بخروج المَنِيّ، منها
أ رؤية المني من غير تذكُّر احتلام

لو استيقظ النائم ووجد المني ولم يذكر احتلامًا؛ فعليه الغسل، ومن احتلم ولم يجد منيًّا، فلا غسل عليه، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم الموسوعة الفقهية
لحديث عائشة رضي الله عنها قالت سُئل رسول الله عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلامًا، فقال يغتسل وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد بللاً فقال لا غسل عليه، فقالت أم سليم المرأة ترى ذلك عليها الغسل؟ قال نعم، إنما النساء شقائق الرجال رواه الخمسة
ب خروج المني بعد الغسل

إذا اغتسل الرجل لخروج المني، ثم بعد الاغتسال خرج منه المني مرة أخرى فهل يجب عليه إعادة الغسل؟ اختلف الفقهاء في ذلك؛ فمنهم من قال يلزمه الغسل ثانيًا، وهو قول الشافعية؛ لقوله «إنما الماء من الماء»؛ لأنه نوع حدث فنقض مطلقًا، وذهب الحنابلة إلى أنه لا يجب عليه الغسل ثانيًا؛ لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئل عن الجنب يخرج منه الشيء بعد الغسل؟ قال يتوضأ، وكذا ذكره عن علي رضي الله عنه، ولأنه مني واحد فأوجب غسلاً واحدًا كما لو خرج دفعة واحدة، ولأنه خارج لغير شهوة، أشبه الخارج لبرد، وبه علل أحمد الموسوعة الفقهية وما ذهب إليه الحنابلة أرجح؛ لقوة دليلهم
جـ اشتراط خروج المني بشهوة

اختلف الفقهاء في ذلك، فمنهم من اشترط خروج المني بشهوة ودفق، وهم جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، ولم يشترط الشافعية ذلك، فقالوا بوجوب الغسل من خروج المني مطلقًا، قال الإمام النووي ولا فرق عندنا بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء أو نظر أو بغير سبب، فكل ذلك يوجب الغسل عندنا المجموع لحديث أبي سعيد الخدري «إنما الماء من الماء» صحيح سبق تخريجه
واحتج الجمهور لقولهم بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ أَوْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ «فِي الْمَذْيِ الْوُضُوءُ وَفِي الْمَنِيِّ الْغُسْلُ» أحمد ، وقال شعيب الأرناؤوط صحيح وفي رواية قال «إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل» أحمد وحسنه الألباني
فقوله حذفت، الحذف أي الرمي، وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة، وفيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شهوة إما لمرض أو برودة لا يوجب الغسل نيل الأوطار للشوكاني
وعلى ذلك فلو صح حديث علي؛ فإن ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة يكون أرجح
الإيلاج التقاء الختانين

اتفق فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم على أن التقاء الختانين موجب للغسل، قال الإمام النووي «وقد أُجمع على وجوب الغسل متى غابت الحشفة في الفرج، وإنما كان الخلاف فيه لبعض الصحابة ومن بعدهم، ثم انعقد الإجماع على ما ذكرنا» المجموع وقد نقل الشوكاني كلامًا قريبًا من هذا عن الإمام ابن عبد البر وابن العربي نيل الأوطار
والمقصود بالتقاء الختانين تغييب الحشفة في الفرج، ذلك أن ختان الرجل هو الجلد الذي يبقى بعد الختان، وختان المرأة جلدة عرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان، فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها، وإذا تحاذيا فقد التقيا، وليس المراد بالتقاء الختانين التصاقهما وضم أحدهما إلى الآخر، فإنه لو وضع موضع ختانه على موضع ختانها ولم يدخله في مدخل الذكر لم يجب الغسل الموسوعة الفقهية
والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال «إذا جلس بين شُعَبها الأربع، ومس الختانُ الختانَ؛ فقد وجب الغسل» مسلم ، وفي رواية «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» ابن ماجه وصححه الألباني
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها؛ فقد وجب الغسل» متفق عليه وفي رواية «وإن لم يُنزل» مسلم قال الإمام ابن حجر في الفتح «وهذا يدل على أن الجهد هنا كناية عن معالجة الإيلاج» فتح الباري
والشعب الأربع قيل يداها ورجلاها، وقيل رجلاها وفخذاها، وقيل ساقاها وفخذاها، وقيل غير ذلك، والكل كناية عن الجماع سبل السلام للصنعاني
وهذا الحديث استدل به الجمهور على نسخ مفهوم حديث «إنما الماء من الماء» وأصرح منه حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه قال «إن الفتيا التي كانوا يقولون إن الماء من الماء رخصة، كان رسول الله رخَّص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ» أحمد
وقد ذكر الحازمي في كتابه «الاعتبار في الناسخ والمنسوخ» آثارًا تدل على النسخ، ولو فُرض عدم التأخر لم ينهض حديث «الماء من الماء» لمعارضته حديث عائشة وأبي هريرة، لأنه مفهوم وهما منطوقان، والمنطوق أرجح من المفهوم
الحيض والنفاس

اتفق الفقهاء على أن الحيض والنفاس من موجبات الغسل، نقل ابن المنذر وابن جرير الطبري وآخرون الإجماع عليه الموسوعة الفقهية
ودليل وجوب الغسل في الحيض قوله تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ الآية أي اغتسلن، فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها، فدل على وجوبه عليها، ولما روته عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستحاض، فسألت النبي ، فقال «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» البخاري ، والحديث متفق عليه بلفظ «فاغسلي عنك الدم وصلّي»
ودليل وجوب الغسل على النفساء الإجماع كما سبق ذكره، ولأنه دم حيض متجمع الفقه الإسلامي وأدلته
الموت

يجب على المسلمين وجوب كفاية غسل الميت غير الشهيد، وذلك باتفاق المذاهب الأربعة، أي إذا مات المسلم وجب على المسلمين غسله الفقه الإسلامي وأدلته واستدلوا على ذلك بقوله فيمن وقصته ناقته بعرفة «اغسلوه بما وسدر » الحديث متفق عليه ، والأصل في الأمر الوجوب، وأيضًا بحديث أم عطية حين ماتت ابنته عليه الصلاة والسلام وفيه «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا» الحديث متفق عليه الشرح الممتع لابن عثيمين وسيأتي مزيد بيان فيما يتعلق بأحكام غسل الميت عند الحديث عن أحكام الجنائز إن شاء الله تعالى
إسلام الكافر
ذهب المالكية والحنابلة إلى أن إسلام الكافر موجب للغسل، وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب الغسل للكافر إذا أسلم وهو غير جنب الموسوعة الفقهية
وإذا أسلم الكافر وهو جنب وجب عليه الغسل قال الإمام النووي «نص عليه الشافعي واتفق عليه جماهير الأصحاب» المجموع
وقال الكمال بن الهمام من أئمة الحنفية الأصح وجوب الغسل عليه؛ لبقاء صفة الجنابة السابقة بعد الإسلام، فلا يمكنه أداء المشروط بزوالها إلا به، وقيل لا يجب لأنهم غير مخاطبين بالفروع ولم يوجد بعد الإسلام جنابة فتح القدير
واحتج القائلون بالوجوب بحديث قيس بن عاصم أنه أسلم، فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر رواه الخمسة إلا ابن ماجه وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ثمامة أسلم، فقال النبي «اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل» أحمد فهذان الحديثان أمر فيهما النبي من أسلم بالغسل، والأمر يفيد الوجوب ما لم تصرفه قرينة كما هو مقرر في الأصول، وكذلك فإن الكافر إذا أسلم فقد طهُر باطنه من نجس الشرك، فمن الحكمة أن يطهر ظاهره بالغسل الشرح الممتع
واحتج من قال بعدم الوجوب بأن النبي لم يأمر كل من أسلم بالغسل، وقد أسلم أناس كثيرون ولو كان واجبًا لما خص به بعضًا دون بعض، فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب نيل الأوطار للشوكاني
وأجيب عن ذلك بأن أمر النبي واحدًا من الأمة أمرٌ للأمة جميعًا؛ إذ لا معنى لتخصيصه به؛ لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ، ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمَسكًا؛ لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك وهو ليس علمًا بالعدم المصدر السابق، الشرح الممتع بتصرف
وما ذهب إليه المالكية والحنابلة من وجوب الغسل على الكافر إذا أسلم هو الأرجح؛ لقوة أدلتهم التي احتجوا بها
هذا ما تيسر لنا جمعه فيما يتعلق بموجبات الغسل ونكمل بقية أحكام الغسل إن شاء الله تعالى في العدد القادم، والحمد لله رب العالمين