نواقض الوضوء


نتكلم في هذا العدد إن شاء الله عن نواقض الوضوء
والناقض معناه إخراج الوضوء عن إفادة المقصود منه كاستباحة الصلاة
وتفصيل هذه النواقض على النحو التالي
أولاً الخارج من السبيلين أو من أحدهما

اتفق الفقهاء على أن ما خرج من السبيلين من بول وغائط وريح وغير ذلك ينقض الوضوء؛ لقوله تعالى أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ الآية ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ» فقال رجل من حضرموت ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال فساء أو ضراط متفق عليه
وفي حديث صفوان بن عسال، وسيأتي ذكره، «لكن من غائط وبول ونوم»
وقد جاء في حديث أبي هريرة التعبير بالأقل ليدل على أن الانتقاض بالأكثر أولى
وكذلك ينتقض الوضوء بخروج المذي؛ لحديث علي رضي الله عنه قال «كنت رجلاً مذاء؛ فأمرت المقداد أن يسأل رسول الله ، فقال فيه الوضوء» متفق عليه
وكذلك ينتقض الوضوء بخروج الدم من أحد السبيلين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ، فقالت يا رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال «لا إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي، قال وقال أبي ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» الحديث متفق عليه والشاهد قوله «وتوضئي لكل صلاة»
ثانيًا خروج النجاسات من غير السبيلين

اختلف الفقهاء في نقض الوضوء، أو عدم نقضه بخروج شيء من النجاسات من سائر البدن غير السبيلين، فقال المالكية والشافعية إنه غير ناقض، ونص الحنفية والحنابلة على أنه ناقض الموسوعة الفقهية الكويتية
استدل من قال بنقض الوضوء من الخارج النجس بحديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي قاء فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت له ذلك، فقال صدق، أنا صببت له وضوءه أبو داود وصححه الألباني
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله «من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ، ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم» ابن ماجه وضعفه الألباني
ورد القائلون بعدم النقض بأن الحديث الأول حكاية فعل، وحكاية الفعل لا يُستفاد منها الوجوب، وعن الحديث الثاني بأنه قد أعله غير واحد من أهل العلم، وقال البيهقي الصواب أنه مرسل، واحتجوا كذلك بحديث أنس رضي الله عنه قال «احتجم رسول الله فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه» البيهقي في السنن الكبرى فدل على أن النبي لم يتوضأ بخروج الدم من البدن ورد القائلون بالنقض بأن حديث أنس حكاية فعل فلا يعارض القول في حديث عائشة
قال الشوكاني ولكن هذا يتوقف على صحة القول ولم يصح نيل الأوطار
واحتجوا كذلك بحديث أبي هريرة «لا وضوء إلا من صوت أو ريح» الترمذي وصححه الألباني ، وقالوا البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث؛ فلا يصار إلى القول بأن الدم أو القيء ناقض إلا لدليل ناقض والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة النقل نيل الأوطار
ثالثًا النوم

هذا الناقض من أكثر النواقض التي اختلفت فيها آراء العلماء حتى حكى الإمام النووي في شرح مسلم ثمانية مذاهب في نقض الوضوء من النوم وقد أخذ بعضهم ببعض الأدلة وبعضهم بالبعض الأخر، والبعض حاول الجمع بين هذه الأدلة، ولذلك سنذكر الأدلة ثم نذكر من احتج بها من أهل العلم
حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال كان رسول الله يأمرنا إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم الترمذي وحسنه الألباني
وهذا الحديث احتج به من قال بأن النوم ناقض للوضوء مطلقًا؛ لأنه ذكره من الأحداث التي لا يُنزع منها الخف، وهي البول والغائط، وهما ناقضان بالإجماع
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله «وِكَاءُ السَّهِ الْعَيْنَانِ؛ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ» أبو داود وحسنه الألباني
حديث معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله «العين وكاء السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء» أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع والسه اسم لحلقة الدبر
وهذان الحديثان احتج بهما أيضًا الفريق الأول، واحتج بهما من قال بأن النوم لا ينقض الوضوء إذا كان النائم ممكنًا مقعدته من الأرض، وهو مذهب الإمام الشافعي؛ لأن النوم ليس حدثًا في ذاته، وإنما هو مظنة الحدث، والتصريح بأن النوم مظنة استطلاق الوكاء كما في حديث معاوية، واسترخاء المفاصل كما في حديث ابن عباس الآتي، مُشعِر أتم إشعار بنفي كونه حدثًا في نفسه، وأجابوا عن حديث صفوان بأن الإشعار بأنه من الأحداث لاقترانه بما هو حدث بالإجماع، فلا يخفى ضعف دلالة الاقتران وسقوطها عن الاعتبار عند أئمة الأصول وهذا الرأي الذي سلك مسلك الجمع هو أقرب الأقوال للصواب
قال النووي وهذا أقرب المذاهب عندي وبه يُجْمَع بين الأدلة شرح صحيح مسلم
حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال بتّ ليلة عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني الحديث مسلم
وهذا الحديث احتج به مَن فرق بين النوم القليل والكثير في اعتباره ناقضًا للوضوء، واحتج به أيضًا من سلك طريق الجمع وهو الإمام الشافعي وسيأتي بيان ذلك
حديث أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون أبو داود وصححه الألباني
وهذا الحديث استدل به من فرَّق بين القليل والكثير في اعتبار النوم ناقضًا للوضوء، وهو مذهب الإمام مالك والإمام أحمد في إحدى الروايتين

رابعًا الجنون والسكْر والإغماء

اتفق الفقهاء على أن زوال العقل بالجنون والسكْر والإغماء ونحوها ناقض للوضوء الموسوعة الفقهية الكويتية
وقال الإمام النووي «واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون والإغماء والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء ينقض الوضوء، سواء قل أم كثر، وسواء كان ممكن المقعدة أو غير ممكنها» شرح النووي على صحيح مسلم
ومسلك العلماء في ذلك أن زوال العقل مظنة خروج الحدث من السبيلين، أو أحدهما فأنزلوا المظنة منزلة المئنة أي جعلوا الشيء المظنون وهو خروج الحدث بزوال العقل كالشيء المتيقن وهو الخروج بالفعل

خامسًا الأكل مما مسته النار

اختلف الفقهاء في انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار على قولين أحدهما انتقاض الوضوء من أكل ما مسته النار، وهو قول جماعة من الصحابة وبعض التابعين واحتجوا بما رواه أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما عن النبي قال «توضئوا مما مست النار» مسلم ، وانظر الموسوعة الفقهية
الثاني لا يجب الوضوء بأكل شيء مما مسته النار، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، واحتجوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي أكل كتف شاة ولم يتوضأ متفق عليه
وبحديث جابر رضي الله عنه قال كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما غيرت النار أبو داود وصححه الألباني فدل ذلك على أن ما جاء في حديث أبي هريرة وعائشة قد نُسخ بما جاء في حديث جابر، وهو ما يرجّح ما ذهب إليه جمهور العلماء

سادسًا الوضوء من أكل لحم الجزور الإبل

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين فذهب جمهور العلماء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول، وهو ما حُكي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة إلى عدم انتفاض الوضوء من أكل لحم الإبل، واحتجوا بما روى عن النبي قال «الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل»، وبحديث جابر السابق كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما غيرت النار نيل الأوطار للشوكاني
وذهب الحنابلة في مشهور المذهب وابن خزيمة والبيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقًا وجماعة من الصحابة، إلى أن أكل لحم الجزور ناقض للوضوء، واحتجوا لذلك بما روى جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحم الإبل قال نعم توضأ من لحوم الإبل » الحديث مسلم
وبما روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال سُئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل؛ فقال «توضئوا منها وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال لا تتوضئوا منها » الحديث أبو داود وصححه الألباني
قال الإمام البيهقي من كبار أئمة الشافعية حكي عن بعض أصحابنا عن الشافعي أنه قال إن صح حديث لحوم الإبل قلت به قال البيهقي قد صح فيه حديثان حديث جابر وحديث البراء
قال الإمام النووي وهو العمدة عند الشافعية في ردّهم على احتجاج الفريق الأول بحديث جابر السابق ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام شرح صحيح مسلم
فائدة هذان إمامان من كبار أئمة المذهب الشافعي قد رجّحا ما ذهب إليه أصحاب الحديث؛ لقوة دليلهم، مما يدل على أن العلماء من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم كانوا أكثر من يتبع الدليل حتى وإن خالف المذهب؛ إذا كان الدليل صحيحًا معتبرًا
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية المقال في بيان قوة مذهب أحمد، والرد على أدلة المخالفين في مجموع الفتاوى؛ فليراجع مجموع الفتاوى

سابعًا مس فرج الآدمي

اختلف الفقهاء في نقض الوضوء من مس الفرج على أقوال
الأول أن مس الفرج ينقض الوضوء مطلقًا؛ لحديث بسرة بنت صفوان «من مس ذكره فلا يصلِّ حتى يتوضأ» متفق عليه وهو مذهب الإمام مالك والشافعي وذهب أحمد في رواية إلى أن المس إذا كان بدون حائل ينقض الوضوء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه «من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء» أحمد وضعفه الشيخ أحمد شاكر
ولم يفرق الشافعي وأحمد بين الرجل والمرأة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال «أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ» رواه أحمد وصححه الألباني، انظر حديث رقم في صحيح الجامع
وقالوا بأن مس القبل والدبر ناقض للوضوء؛ لحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله يقول «من مس فرجه فليتوضأ» ابن ماجه وصححه الألباني والفرج يشمل القُبُل والدبر
وقالوا بأن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر، فيخرج معه شيء وهو لا يشعر، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم الشرح الممتع لابن عثيمين
القول الثاني أن مس الذكر لا ينقض الوضوء واستدلوا بحديث طلق بن علي أنه سأل النبي عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ فقال النبي لا، إنما هو بَضْعَة منك متفق عليه فقد صرح النبي هنا بأنه ليس عليه وضوء من مس الذكر، وقالوا بأن الأصل بقاء الطهارة وعدم النقض، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن المصدر السابق
القول الثالث أن من مس الفرج بشهوة انتقض وضوءه وإلا فلا، وسلكوا في هذا مسلك الجمع بين حديثي بسرة بنت صفوان وطلق بن علي، فحملوا الأمر بالوضوء في حديث بسرة على المس بشهوة، أما إذا كان بدون شهوة فيُعمل بما ورد في حديث طلق من عدم الأمر بالوضوء، وأنه إذا أمكن الجمع وجب العمل به ولا يُصار إلى الترجيح إلا عند عدم إمكان الجمع بين الأدلة وهذا ما قال به جماعة من أهل العلم
القول الرابع أن الوضوء من مس الفرج مستحب، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى
وقد سلك بعض الفقهاء مسلك الجمع أيضًا، فحملوا الأمر في حديث بسرة على الاستحباب والنفي في حديث طلق على نفي الوجوب نيل الأوطار للشوكاني
وقد مال إلى هذا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، حيث قال والخلاصة أن الإنسان إذا مس ذكره استُحب له الوضوء مطلقًا، سواء بشهوة أم بغير شهوة، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدًّا، لكني لا أجزم به، والاحتياط أن يتوضأ الشرح الممتع

ثامنًا لمس المرأة

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال
الأول أن مس المرأة ينقض الوضوء مطلقًا ولو كان بغير شهوة، وهو مذهب الشافعي ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ المائدة ، وفي قراءة «أو لمستم» والمس واللمس معناهما واحد فيكون مس المرأة ناقضًا للوضوء
الثاني أن مس المرأة بشهوة ينقض الوضوء، وهو مذهب مالك والرواية المعتمدة عند الحنابلة، واستدلوا بالآية السابقة قالوا إن لمس المرأة بشهوة هو مظنة الحدث فوجب حمل الآية عليها، ويؤيد ذلك أن النبي كان يصلي من الليل وكانت عائشة رضي الله عنها تمد رجليها بين يديه، فإذا أراد السجود غمزها فكفت رجليها متفق عليه ولو كان مجرد المس ناقضًا لانتقض وضوء النبي
القول الثالث أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا ولو بشهوة، وهو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ورواية عن أحمد، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ حدثت به ابن أختها عروة بن الزبير، فقال من هي إلا أنت؟ فضحكت الترمذي وصححه الألباني
وهذا دليل على عدم انتقاض الوضوء من لمس المرأة؛ لكون التقبيل بغير شهوة بعيد جدًّا الشرح الممتع
وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله النسائي وصححه الألباني وفيه دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء نيل الأوطار
وأجابوا عن الآية بأن اللمس المذكور فيها إنما يُراد به الجماع، فسَّره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، وهو من أعلم الصحابة بالتفسير
وما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة ومن وافقه هو الأرجح لقوة دليلهم
هذا ما تيسر لنا جمعه فيما يتعلق بنواقض الوضوء، وقد تركت ذكر بعض الأمور التي ذكروها من النواقض كالقهقهة في الصلاة وغيرها؛ لضعف دليلها، وأسأل الله عز وجل أن ينفع بما كتبناه، فهو نعم المولى ونعم النصير